عام من حرب ١٥ أبريل تقويم الحسابات السياسية قياساً علي موازين السيطرة العسكرية
. جودات الشريف حامد باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية

عام من حرب ١٥ أبريل
تقويم الحسابات السياسية قياساً علي موازين السيطرة العسكرية
د. جودات الشريف حامد
باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية
*اليوم تُكمل حرب ١٥ أبريل عامها الأول بالتمام و الكمال، منذ أن إتخذت مليشيا الجيش و جماعة الفلول قرار إطلاق رصاصتها الأولي ، معتمدين علي حسابات و تقارير تقييم غير دقيقة في إتخاذ قرار الحرب ضد الدعم السريع،حيث تم الإقدام عليها بُناءً علي تحليلات مضروبة و تقديرات تقارير مُجهِلة و إستنتاجات خاطئة كلياً ،فكانت محصلات هذه الحرب من جنس المقدمات و الاستنتاجات التي أُستّندٓ عليها في في إتخاذ ما يلزم لإشعال هذه الحرب*، *فكان المستهدف فيها مقار و معسكرات و ثكنات و قيادات و رموز قوات الدعم السريع ،و كان الهدف المركزي و المحوري لتلك الحرب هو الإفتاء و الإبادة التامة التي لا تستثني أحداً من ضباط و ضباط صف و جنود قوات الدعم السريع و كذلك إغتيال و تصفية كافة قياداتها و رموزها.*
*لقد وضعت مافيا الجيش و مليشيا الفلول من التدابير البشرية و الخطط والخطط البديلة و من الاحترازات الأمنية و التحوطات الاستخباراتية و الاستعدادات العسكرية و اتخذت من أسباب ضمان الانتصار المادية ما كان كفيلاً لتنفيذ و إنجاح سيناريو الخيانة و الغدر المحبوك بدقة متناهية ضد الدعم السريع، بما لم يتوقع أو يتخيل معه أحداً منهم أن هنالك ما يُمكن أن يؤدي إلي التفكير في إحتمالية إفشال هذه الخطة التآمرية الغادرة حيال الدعم السريع* .. *لكن كما قال الفريق أول محمد حمدان دقلو ، قائد قوات الدعم السريع ، لقد وضعوا لكل شئ حسابه المادي و جهده البشري إلا أنهم نسوا حساب و إرادة و مشيئة الله سبحانه و تعالي التي لا تنسجم مع كيد الخائنين و أماني المتنطعين و احلام الفلول الظالمين.*
*لقد تمّت هذه الحرب اليوم عاماً كاملاً، كُتبت فيه أحداثها بدماء شهداء قوات الدعم السريع المغدورين في مواقعهم ، كما وثقت إفرازاتها و تداعياتها الكارثية دماء الضحايا و أشلاء المصابين و أنٓات الجرحي و حزن الأرامل و أسي الثكالي من المدنيين الذين دفعوا ثمناً غالياً و كُلفة باهظة في هذه الحرب.*
*بعد عام من الأحداث الكارثية لهذه الحرب و ما صاحبها من إفرازات قاسية و تداعيات مؤلمة، يبقي التساؤل الموضوعي الأهم في الأذهان بكل أبعاده الأخلاقية و تبعاته و مسئولياته..* *ألآ و هو سؤال من أشعل هذه الحرب و من بدأها تخطيطاً و تنفيذاً؟ و هو سؤال تفكيك مرجعيات الإجابة عليه ذو أهمية إستراتيجية قصويى آناً و مستقبلاً.*
*دعونا إبتداءً نتفق علي أن ثورة ديسمبر هي عمل جماهيري تراكمي عززت تراكميته أدوات البطش و الاستبداد و الفساد علي مدي أكثر من ثلاثين عاماً من حكم الفلول،و قد نجح الشعب السوداني باصراره و محفزات تطلعاته للتغيير في إسقاط سلطة النظام البائد ( نظام المؤتمر الوطني) و الذي بسقوطه فقدت عناصر ذاك النظام غطاء الدولة الرسمي الذي يجسد خط حمايتهم و حماية مصالحهم و بدأ مع ذلك خسران آلة السلطة الباطشة*…*فأحس الفلول و لجنتهم الأمنية بجدية المخاطر المحدقة بهم و التي تجاوزت تهديد بقائهم كسلطة فاسدة مستبدة علي الشعب و كفكرة بائرة وخربة فُرضت خزعبلاتها المشوهة إكراهاً علي الناس،.. هنا و هنا فقط تجاوز الأمر عند الفلول مجمل هذه المهددات إلي صراع موتور و متهور إرتبط عنظهم بإستيفاء زوال وجودهم و بقاءهم كتنظيم و فكرة تأذي الجميع من محاولاتهم الزائفة لفرضها علي الواقع.*
*لقد دفعت جملة هذه المخاطر التي إستشعرها الفلول من خلال واقع معايشة الأحداث بإتجاه إتباع منهج تفكيري رغائبي طائش و متعجل، مفاده عرقلة أي جهد مخلص و جاد من حكومة الانتقال بقيادة حمدوك لرصف و تمهيد الطريق لانتقال مدني ديمقراطي قائم علي سلاسة التدرج المُفضي إلي حكومة منتخبة و ما زاد طين الواقع بللاً هو الإعلان عن محتوي و مضمون ملفات الإتفاق الإطاري كخطوة عملية أخري و خلاصة لجهود سياسية و قانونية و اقتصادية و عسكرية و اجتماعية كان الأمل أن تضع البلاد في سمة و مسار التحول المدني المنشود و الذي بلا شك يتعارض مع ما يصبو إليه الفلول* . ، *الأمر الذي زاد من هلوستهم و جنونهم ، فهددوا و توعدوا بنصب المشانق و إعمال المقاصل إشعال المحارق لكل من يري خيراً قليلاً أو كثيراً في إمكانية تحقيق الانتقال والتحول المدني الديمقراطي عبر بوابة الاتفاق الاطاري الذي مثل وقتها مدخلاً معقولاً و مقبولاً لمخاطبة ملفات الأزمة الوطنية.*
*كثيرةٌ هي الشواهد علي ما ذهبنا إليه تجسدها التصريحات و الإستكتابات و البيانات الصادرة من قيادات الفلول و واجهاتهم التنظيمية والتي تحدت إرادة الشعب في تطلعاته و طموحاته في إنجاح تدابير الانتقال اللازمة لبناء دولة مدنية ديمقراطية حرة و سيدة،من خلال المتاحات التي يمثلها الاتفاق الاطاري،من الأمثلة التي تثبت أن الفلول الملاعين هم من خطط لهذه الحرب بهدف إفشال الحل السياسي السلمي للأزمة الوطنية، تصريحات قياداتهم المُحرّضة علي الحرب و لعلنا نستدعي هنا ما صرح به الناجي عبدالله الحاج في الرابع من أبريل ٢٠٢٣م ( أن زمن اللعب و دفن الذقون قد وٓلىٰ..مضيفاً لقد أكثرنا من الافطارات و الاحتفالات و الحشود و المواكب، مُقسماً أمام الفلول المُخاطبين أن رمضان ذاك هو آخر رمضان للافطارات و المواكب و الحشود) أما الداعشي محمد علي الجزولي فقد رأيناه جميعاً بُعيد إندلاع الحرب مباشرةً و هو يتحدث كأنه الناطق الرسمي باسم الجيش مصرحاً في فيديو مبذول علي الوسائط معلناً (أن الجيش قد أحكم سيطرته علي جميع المطارات و ماضٍ في إحكام سيطرته علي مقار و معسكرات الدعم السريع، مبيناً أن المعركة لن تأخذ أكثر من بضع ساعات مع القوات المسلحة ).*
*و في إفطار رمضاني يوم ١١ ابريل ٢٠٢٣م، صرح القيادي بالتيار الاسلامي حسن عثمان رزق (أنهم أمام مهمة و قضية وحيدة و هي إسترداد المشروع الإسلامي و عودتهم لقيادة البلاد بقوة وسطوة، مدعياً أن البلاد مختطفة من الأجانب) و في السياق ذاته و في ذات الإفطار الرمضاني نفسه ،خاطب نائب المخلوع البشير الحاج آدم يوسف الحضور قائلاً ( إما إنتخابات و إما مدافرات) في إشارة صريحة لرفضهم تنفيذ الإتفاق الإطاري. و جاهزيتهم لإشعال العنف حال المُضي في إنفاذ ملفات ذلك الاتفاق.أما الأسير بيد الدعم السريع الآن، أنس عمر فقد كان أكثر المحرضين و الداعين إلي خيار عنف الحلول العسكرية التي تعيدهم الي السلطة و كان ذلك جلياً في تصريحاته بأنهم ( أرجل الرجال في السودان و أن عودتهم إلي حكم البلاد ستكون رجالة و حُمرة عين.).هذا بالإضافة إلي بيانات الأمين العام للحركة الإسلامية المدعو علي احمد كرتي التي ظل يخاطب فيها الجيش و أجهزة الأمن و المخابرات و كتائبهم التنظيمية الإرهابية و المستنفرين، محرضاً إياهم علي الحرب و ضرورة إستمراريتها مستخدماً في ذلك شعارات الحركة الإسلامية المتطرفة التي تدعو فيها للجهاد، و لا أدري من هم الكفار الذي يدعو هذا المعتوه لجهادهم؟! ، و قد نفق في هذه الحرب عدد كبيراً من أفراد كتائب الفلول الذين نعاهم علي كرتي عبر مواقعهم التنظيمية في الوسائط. و نختم عينات الشواهد و الأدلة التي تثبت أن الفلول هم من أشعلوا هذه الحرب بالبيان الصوتي الذي أصدره المطلوب للمحكمة الجنائية أحمد هارون نيابةً عن الموقوفين في قضايا عامة من قيادات النظام السابق و الذين تم تهريبهم من السجن قبل خمس ايام من بداية،حيث أكد المدعو أحمد هارون (أنهم في صف واحد و خندق واحد مع الجيش).*
*هذه النماذج و الأمثلة من تصريحات و بيانات الفلول تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنهم من فكروا و خططوا و دبروا و. موّلوا و من ثم أتخذوا قرار حرب ١٥ ابريل، و أن ما نتج عن هذه الحرب من تداعيات و إفرازات و كوارث و تبعات دمار و تخريب للبنىٰ التحتية و المؤسسات العامة و الخاصة تتحمل مليشيا الجيش و فلول النظام السابق و من شايعهم من البلابسة أوزارها ، كما يتحملون كذلك كافة آثار هذه الحرب التي أوقدوا حرائقها التي طالت غالبية ولايات السودان،* *حيث تلاشت أو كادت أن تتلاشي نظرية الولايات الآمنة تماماً بمنظور الفلول، فهذه الحرب ستطال الجميع و لا عاصم لأحدٍ في أي ولاية سودانية من أن تطاله ألسنة و أعيرة هذه الحرب، مادام البلابسة من الجيش و الفلول و مشايعيهم سادرين في غيهم و ضلالهم القديم، و مُصرين علي ترديد شعارهم الفتنة( بل بس).*
*أما الدعم السريع و كما ظل يسوق المبررات المقنعة و المرافعات الواقعية بإستمرار عن موقف إستجابة قطاعاته و مجموعاته العسكرية لمقتضيات حرب ١٥ ابريل و دخول ساحاتها بفقه الدفاع عن النفس،و رد العدوان، لا رغبةً في القتال و لكن لضرورات الحق المكفول ديناً و متاح و مباح عرفاً كونياً له وفقاً لكافة المواثيق الانسانية، دخلت قوات الدعم معركتها ضد الجيش و فلوله دافعها و محفزها الدفاع عن منسوبيها الذين حاصرهم الجيش و كتائب الفلول في مقارهم و معسكراتهم و ثكناتهم،أيضاً لحماية قياداتها و رموزها الذين ضُربوا بالطيران و المدفعية و كافة أنواع الأسلحة الثقيلة في بيوتهم و مساكنهم. لقد قاتل الاشاوس في معركتهم العادلة ، معركة الدفاع عن النفس بشرف بازخ و بسالة فائقة و شجاعة لم يسجل التاريخ مثلها، فأنتصروا في أكثر من (٢٠٠) مائتين معركة كانت آخرها تحرير مدينة مليط بالأمس من “فلنقايات” حركات الإرتزاق المسلحة،إن ما حققته قوات الدعم السريع من إنتصارات تنؤ عن حمل سردياتها و حكايات بطولاتها و تكتيكاتها أسفار التاريخ، المهم الذي يستوجب التأكيد و نحن نعدد مفاخر إنتصارات قوات الدعم السريع و نحن نقف علي مرور من معركة الدفاع عن النفس أن نرفع القبعات إجلالاً و إكباراً للقائد العام لقوات الدعم السريع و قائد ثاني و رؤساء الدوائر و قادة القطاعات و المجموعات و الارتكازات بالدعم السريع و هم يهدوننا كل صباح نصراً جديداً يبث فينا يقيناً مطلقاً بحتمية الإنتصار في نهاية مطاف هذه الحرب و إن طالت إستمرت مائة عام.*
*إن الإنتصارات الفاخرة والبطولات المبهرة التي حققتها قوات الدعم السريع و التي تجاوزت المائتين معركة عداً و نصراً مؤزراً ضد مليشيا الجيش و فلوله أعطت الدعم السريع فسحة من فسحات التجاوز الواثق و المريح . تجاوز مرحلة الدفاع عن النفس إلي التبني الأخلاقي المسئول للدفاع عن قضايا الوطن الكبري و طرح المساهمات الفكرية و السياسية و الإرتائيات الإعتبارية بأبعادها الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية الداخلة ضمن عناصر التناول في المعالجات الجذرية للأزمة السودانية.*
*إن المسئولية الأخلاقية التي تصدت لها قوات الدعم السريع دفاعاً عن القضايا الوطنية العامة بعد تجاوزها لموقف الدفاع عن النفس، قد وضعت هذه المسئوليات علي عاتق قائد الدعم السريع و مؤسسات الدعم السريع كلها ضرورة الإسهام الاكبر في مشروع الحل الشامل الذي لا ينفصم بالمطلق عن موازين واقع السيطرة العسكرية في الواقع الراهن، لذا جاءت رؤية قوات الدعم السريع للحل الشامل ببنودها و مرتكزاتها العشرة و التي تمثل مرجعية و مبادئ لأجندات أي تفاوض قادم، و ذلك لقناعة راسخة أن الأزمة الوطنية السودانية بكافة تعقيداتها و تداخلاتها تتطلب عمقاً في تناول جذورها و صدقاً في مناقشة أسبابها و شمولاً في إستصحاب واستيعاب أبعادها كافة دون تجزئة،،إن الاهتمام الذي توليه قيادة و مؤسسات الدعم السريع المدنية و العسكرية لضرورة المعالجة الجذرية لهذه الأزمة نابع من حرصها في أن تكون حرب ١٥ أبريل الحالية آخر حرب في السودان، لذلك يأتي تمسكها المطلق بحتمية المعالجات والحلول الجذرية الشاملة للأزمة تجنباً للنقائص و تجزئة الحلول، مع الاستعصام و التمسك بكل ما من شأنه أن يُفضي إلي تحقيق طموحات و تطلعات الشعب السوداني في تأسيس دولة سودانية جديدة قائمة علي الفيدرالية السياسية و العدالة الإجتماعية و حقوق الإنسان المرعية.*
*عام من حرب ١٥ أبريل بتمامه المحسوب بأدوات العد الزمني ..فقدنا فيه أعزاء من شهداء قوات الدعم السريع و عايشنا فيه معاناة الجرحي و المصابين من الأشاوس و شهدنا فيه عياناً بياناً مواكب الخوف و النزوح و التشريد الذي سببته البراميل المتفجرة لطيران الجيش و قذائف مدفعيته علي أحياء و مساكن و منازل المواطنين المدنيين ضحايا هذه الحرب.*
*عام من الحرب رغم حزننا علي من اختارهم الله إلي جواره من الأشاوس شهداء في معركتي الدفاع عن النفس و معركة الدفاع عن القضايا الوطنية الكبري..يبقي تصميم قيادة الدعم السريع و قوة عزيمة و شكيمة الاشاوس لمواصلة هذه المعركة ضد مليشيا و فلول النظام السابق باقية في النفوس حتي بلوغ مبتغي تأسيس دولة سودانية جديدة تسع فضاءتها الجميع أو بلوغ مُرتقي درب الشهداء من أشاوس الدعم السريع.*