مقتطفات حول معضلة الثقافة السياسية في السودان
مليح يعقوب حماد
باحث في إدارة التنوع بالمركز الإفريقي للديمقراطية والتنمية
نحاول في هذا المقال تسليط الضوء على طبيعة الثقافة السياسية السائدة في السودان .ومعرفة دورها فى تدوير و إنتاج و تشكيل الصراع العسكري و الفكرى والسياسي والثقافي والاقتصادي عبر مراحله المختلفة. و تاثيرها فى تركيبة النخبة المتعلمة وسوف نتطرّق لإشكالياتها المتراكمة من حكومة إلى أخري ، لنستخلص المتاريس والعقبات التي حالت دون وصولنا كسودانيين إلى معرفة الإجابة الصريحة على السؤال المفصلي المطروح والذي يقول: كيف يحكم السودان ؟ ذلك القطر الإفريقي المريض و الذي قد تقطّعت به السبل و عانى من ويلات الحروب و الموت والتشرد والخراب والنزوح ومن أشهرها حرب 15 ابريل بين الدعم السريع والقوات المسلحة والتى قد تحوّلت فيما بعد الى ثورة شعبية عارمة جهجهت حسابات دولة الكيزان والتي قد وصفناها في مقالاتنا السابقة بانها اسؤا نسخة من دولة المركز .وللثقافة السياسية السودانية عدد كبير من التعريفات ويمكن إجمالها في التعريف الشائع الذي ينص على انها عبارة عن مجموعة من القيّم والمعتقدات والمبادئ والآراء والتصورات والمواقف التي تشكّل الطريقة التي يفكّر بها السودانيون حول السياسة والحكومة والمشاركة السياسية.و تتأثر الثقافة السياسية السودانية بالبعد العربي والإفريقي و القبلي والجهوي والدينى والتاريخي والمناطقي والايديلوجي والسياسى والإستعماري .و من ابرز عيوب النخبة المركزية الحاكمة والمعارضة ،انها لم تتبنّي مشروعّا قوميّا يستوعب طبيعة العناصر المكونة لتلك الثقافة ولم تتدارك متناقضاتها أو تكترث لابعادها المستقبلية، فعجزت عن إحداث التوازن المطلوب بين الوحدة والتنوع ،بل رهنت تلك النخبة المركزية نفسها للهوية الجهوية والدينية والسياسية والثقافية وباعت حريتها الفكرية للأحزاب السياسية المؤدلجة والتى اصبح شغلها الشاغل هو التكريس لحكم الاقليّة السكانية المتوغّلة في مفاصل الدولة والمسيّطرة على مجمل مؤسساتها المدنية والعسكرية .مما يضعها باستمرار في قفص الإتهام بوصفها مسئولة من علاج الأزمة وإخراج الدولة من نفق الإنقسام إلى مربع الوحدة والإنسجام.وهذا هو الدافع الرئيسي الذي جعلنا نطعن في أخلاق البيئة السياسية التي نشأت فيها تلك النخبة بوصفها هي الجهة المنوط بها المشاركة بفاعلية في إحداث التغيير المنشود والذي من شأنه ان يسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية عادلة.وتلعب الثقافة السياسية السودانية دورّا مهمّا فى رفع الوعي السياسي وتغيير السلوك وترسيخ الديمقراطية وتعزيز الحوار الوطنى وتشكيل إتجاهات الراي العام و تطوير هياكل الدولة و الدستور وتطوير مؤسساتها المدنية والعسكرية والتي ينبغي عليها ان تمثٌل هي الأخري صورة عامة من حياة المواطنين، مما يضمن لهم العيش بسلام في بلد ديمقراطي معافى من الامراض و ينعم بالأمن والاستقرار و يسعد بالتوزيع العادل للسلطة والثروة والموارد والفرص والوظائف. وقد اثبتت الدراسات العاملة في هذا المجال ان الأساس الذي ارّتكزت عليه تلك الثقافة كان مختلّا .وقد أنتج شرخّا كبيرّا في تركيبة النخبة المركزية الحاكمة والمعارضة. ومن ابرز عيوب النخبة المركزية انها قد انتجت لنا عددّا مهولّا من الظواهر السياسية السالبة ويمكننا ايجازها في الآتي: 1/الانتهازية والطفيلية 2/التسلّق السياسي 3/الترميز التضليلى 4/ التمكين الحزبي و الجهوي 5/الاستهبال السياسى 6/ الانقسام القبلى 7/الضعف الفني والاخلاقي 8/ الرشوة والفساد والمحسوبية 9/العنصرية المعلنة والخفيّة 10/الاستقطاب الحاد 11/الانقسام السياسى 12/غياب الرؤية والمشروع 13/التنازل الطوعى 14/تدنّي مستوى القيّم والمبادئ 15/غياب الارادة الوطنية الجامعة 16/الاقتصاد الطفيلي 17/تفشّى الجهل والأمية 18/التنميط الحتمي 19/تدني مستوى المشاركة السياسية 20/ الإستعلاء الدينى 21/ الانقسام المناطقي 22/ الإستعلاء العرقي 23/ التجاوز والإختزال 24/ التهميش والإضطهاد 25/التناقض والإزدواج 26/ إدّعاء المثالية والنموذجية 27/رفض الآخر 28/ الفلقنة والعبودية السياسية29/التمييز السلبي 30/التجهيل السياسي 31/طمس الهوية والتاريخ 32/تزييف الواقع 33/التطفل السياسى 34/التعصّب الايديلوجي 35/تكرار المكرّر وتجريب المجرّب 36/تدوير العلف والنفايات 37/الإستعلاء الثقافي38/تغييب الوعي 39/التفكير المناطقي 40/ضعف الشفافية والمحاسبة القانونية 41/ العنف السياسي 42/إعتماد الدولة على سياسة فرق تسد .
ومن وسط تلك الزحمة و في خضّم ذلك الصراع الجدلي المستمر ظهر تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) معلنا ميلاده عبر مؤتمر نيروبي كأوسع تكّتل سياسى عرفه التاريخ السوداني الحديث.وقد ولد باسنانه كأقوي تحالف سياسى سوداني مناهض لمشروع المركز .مطالبّا بلامركزية الدولة وطارحّا الفيدرالية والديمقراطية والعلمانية والتنمية المتوازنة كوسيلة لحكم السودان. و يتكون تحالف تاسيس من عدد معتبر من الكتل السياسية و الأحزاب اشهرها تحالف قمم والحركة الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والحركات وحزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي و ما الى ذلك .و قد نجح فى تحييد جزءّا كبير من مؤسسات المركز لصالح مشروع الدولة الوطنية الجديدة ومن ضمنها حزبا الأمة والإتحادي وعدد وافر من الإدارات الاهلية في السودان وسوف نتناول ذلك بشئ من التفصيل في مقال آخر نناقش فيه دور الثقافة السياسية السودانية في إحداث الفارق الموضوعي بين مشروعي المركز والهامش