المقالات

خروج الدعم من ام درمان وتزامن التدابير علي البرهان!

عبدالرازق أنقابو،، 

خروج الدعم من ام درمان وتزامن التدابير علي البرهان!

🎯 عبدالرازق أنقابو،،

. 26 مايو 2025م

المتابعون لسير عمليات الدعم السريع، وهي تواصل قصفها بالمسيرات لكافة المواقع الإستراتيجية تحت سيطرة الجيش، لدرجة تحييدها التام لسلاح طيرانه وخروجه عن الخدمة حتي اشعار آخر، وبينما تقوم – أيضا، بمنعها تقدم المتحركات الضخمة للجيش والمليشيا المرافقة لها، في المواجهات الميدانية بمحور الخوي-النهود، إذ بالجميع، يتفاجأون بخروجها كاملا من أم درمان! فهل من علاقة ما بين هذا الخروج، وتزامنه مع إعلان الإدارة الأمريكية في إتخاذها، تدابير وشيكة ضد قيادة الجيش؟

قبل الاجابة علي ذلك السؤال، فإن كل من يظن أن الإدارة الأمريكية – ترامب تحديدا، بعيدة عن مراقبة تطورات الحرب الدائرة في السودان وسير عملياتها اليومي، يكون مخطئا! فالولايات المتحدة – بوسائلها المعلومة، وطرق اتصالاتها المتعددة، تبقي دائما علي اطلاع تام، بتفاصيل مجريات هذه الحرب، خاصة مع معني لجوء البرهان لمحور سوريا وإيران! عليه، يعود مرد هذا الاهتمام الأمريكي بملف السودان لأربعة أسباب جوهرية، مفصلة في النقاط الآتية:

أولا – النظرة الأمريكية للسودان:

بالرغم من ان امريكا – اللوبي الصهيوني الماسوني، لا تريد السودان إلا بلدا مضطربا مجتزءا لعدة دول، فإن حقيقة النظرة الإستراتيجية الأمريكية الخالصة للسودان، تعود لميزاته الجيوساسيه، المتمثلة أولا في موارده، وثانيا في مكانة موقعه الجغرافي، وثالثا في تطلعاته المستقبلية كدولة رائدة بالمنطقة. ومع أن هذه التطلعات الريادية قد انتفت مع توجهات الدولة العميقة الحاكمة فيه، التي حولته لدولة دكتاتورية فاشلة من جهة، ودولة موصومة بالإرهاب من جهة أخري، إلا أن أمريكا لا تزال تنظر للسودان من ناحية موارده الكامنة – كدولة تذخر بخامات الطاقة النووية، هي ما توجب عليه الإخضاع، لرقابة “أمريكية” صارمة في إنتاج وحركة صادر خام اليورانيم، حتي لا يصل لأيدي الدول المارقة – في تعريفاتها المعلومة! أما جغرافيا، فما يهم امريكا في ذلك، هو خلو سواحله من إنشاء أي قواعد بحرية معادية لها ولحفائها! لذا، فإن أمريكا لن تكن أعينها غائبة عن السودان، سواءا كان في حال حرب أو سلام!

ثانيا – إستخدام الأسلحة المحظورة:

لم يكن خروج قوات الدعم السريع من الخرطوم ومن منقطة الصالحة – لاحقا، نتيجة لمواجهات تقليدية، إنما بسبب لجوء الطرف الأول لإستخدام القوة المميتة، التي ثبت استخدامها في القصف الجوي، بعدة مواقع بولايات شمال وجنوب وشرق دارفور، إضافة لمناطق بشرق كردفان وغربها! ما يكفي دليلا علي تلك التقارير الغربية المتواترة عن إستخدم الجيش لاسلحة كيماوية في حربه ضد الدعم السريع وحواضنه، هو تلك التهديدات المباشرة للبرهان ومساعدوه باستخدام القومة المميتة – وقد جهروا بها علانية، في أكثر من مناسبة!

ثالثا – الحرب علي الإرهاب:

بغض النظر عن التصنيفات التي اعلنت إقليميا جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا محظورا في كل من مصر، السعودية والأردن، إلا أن الممارسات التي تم توثيقها في عمليات الذبح، وبقر البطون وقطع الرؤوس في هذه الحرب، تاتي تاكيدا علي مدي وجود الإرهاب وتغلغله في المؤسسة العسكرية، التي لم تستنكر ولم تتبرأ بعد، من هكذا عمليات إرهابية حتي الآن! ففي هذا الخصوص، يأتي البيان الختامي لزيارة ترامب للمنطقة مؤخرا، وقد قطع فيه باولوية القضاء علي الإرهاب واجتثاثه من منابعه بالمنطقة، إنما رسالة واضحة لم يكن السودان مستثنيا فيها، بين دول المنطقة المستهدفة بعمليات الحرب علي الإرهاب!

رابعا – موقع السودان في صفقة القرن:

من ضمن ما شدد عليه الرئيس ترامب في زيارته تلك، هو ضرورة تمسك دول المنطقة بالعيش تحت سقف ما يسمي بالديانة الإبراهيمية، علما بأن عملية الترويج لهذه الديانة او التبشير بها – إن صح التعبير، ما هو إلا بندا من بنود صفقة القرن (Deal of Century)، المصممة لفرض واقع مستجد – شعاره، تحقيق *تعايش سلمي بين الكيان الإسرائيلي والدول المجاورة له!* ففي هذا الخصوص، لم يكن اختيار السودان كأول بلد يتم الإتصال به، فور إنتهاء مراسم توقيع هذه الصفقة في واشنطن أكتوبر ٢٠٢١م، إختيارا إعتباطيا، حتي تم عقد عبر ال (video conference)، ضم رئيس وزراء السودان حمدوك، ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو إضافة للرئيس الأمريكي حينها والحالي حاليا دونالد ترامب، إنما تمهيدا لقبول السودان بهذه الصفقة، والايفاء بالتزاماته الأمنية المطلوبة منه، بالتخلص أولا من تنظيم الإخوان الداعم لحماس، وثانيا مواصلة تعاونه في مكافحة الإرهاب، التي حاول الدكتور حمدوك باستئنافها بزيارة غير عادية لرئيس وزراء لبناية لانغلي – مقر وكالة السي اي أيه (CIA)، المعنية أمريكيا بالحرب علي الإرهاب، وقد اثمرت لاحقا مع جهود وإلتزامات اخري، في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب!

وإجابة علي ذلك السؤال – الخاص بحقيقة تزامن خروج الدعم من ام درمان، وإعلان التدابير الأمريكية ضد البرهان، فان دلالات النقاط الموضحة اعلاه، خاصة فيما يلي الحرب علي الإرهاب، وصفقة القرن، اضافة لثبوت لجوء الجيش في استخدامه اسلحة كيماوية في اخر معاركه في القصر الجمهوري ومنطقة صالحة، علي ذات طريقة النظام السوري المطاح به، فان المؤشرات الدالة علي هكذا تزامن مقصود، تتمثل في الآتي:

اولا: قابلية إعتبار امريكا للدعم السريع كقوات حقيقية شريكة في مكافحة الإرهاب، وهي تخوض حربا ضد وجود التنظيم العالمي للإخوان في السودان!

ثانيا: توفر حظوظ نشر الديانة الإبراهيمية عبر ميثاق تحالف تأسيس السودان الجديد، الذي يعتبر الدعم السريع احد اهم ركائز تأسيسه، باقراره علمانية الدولة السودانية واعترافه بكافة الأديان السماوية، إنما يفتح الطريق لانضمام السودان لمعاهدة الديانة الإبراهيمية المبشر بها امريكيا بالمنطقة!

ثالثا: إمكانية تطوير قوات الدعم السريع وتأهيلها كقوة اقليمية متخصصة، في مجال مكافحة عمليات الاتجار بالبشر، خاصة عبر الطرق الصحراوية المؤدية إلي البحر الأبيض المتوسط

رابعا: الفرصة المحتملة جدا لقوات الدعم، لتكون جزءا من التطبيقات الأمنية الخاصة بصفقة القرن، خاصة مع الفعالية الميدانية التي اثبتتها من خلال مشاركتها ضمن قوات التحالف العربي الاسلامي بالمملكة العربية السعودية.

خامسا: أن إقرار اي عقوبات علي قيادة الجيش خلال الاسبوع المقبل، من علي خلفية إستخدامهم اسلحة كيماوية، ومع التمادي المحتمل في الإستمرار في إستخدامها، إنما يعطي الفرصة ليس لتسديد ضربات جوية ضد أهداف منتقاة، إنما يعطي التغطية لتدخل دولي محتمل، بحجة الحرب علي الإرهاب، من جهة، وبحجة حظر استخدام الأسلحة المحظورة دوليا، من جهة أخرى!

ختاما، إن أهمية خروج الدعم السريع من ولاية الخرطوم، وتزامن ذلك مع إعلان التدابير الأمريكية لمعاقبة قادة الجيش لاستخدامهم الأسلحة المميتة، فان هذا المستجد مع ما يحمل من تداعيات خطيرة، الي جانب ردات الفعل المحتملة عليه من الجيش وكتائبه المتطرفة التي تقاتل بجانبه، فان الأمر برمته لينطوي علي عدة سيناريوهات محتملة، نستلخص منها الآتي:

اولا – سيناريو التموضعات الحربية لطرفي الحرب:

بالرغم من أن خروج الدعم السريع من مدن العاصمة الثلاث، هو بمثابة تطبيق عملي لشروط قادة الجيش لإستئناف مفاوضات جدة – كأمر، يضع الكرة في ملعب الجيش – اختبارا لمصداقيته، إن كان فعلا ساعيا لتحقيق السلام، إلا أنه – اي الانسحاب، عند قيادة الدعم السريع، هو مجرد تموضعات تكتيكية مطلوبة، للتصدي لنوايا قادة الجيش المتبدية في تحركات قواتها – المتجهة، لإعادة تدوير الحرب وبقائها مستعرة بحدود أقاليم غربي السودان، وحسب!

ثانيا – تكرار سيناريو المبادرات المخادعة لأجل استمرار الحرب:

إحتمالية إعلان قادة الجيش عن اي مبادرة لإستئناف منبر جدة، لن يكون الهدف منها وقف الحرب، بقدر ما انهم يروجون عن قصد، بأن ثمة إتفاقا تم، فيما يلي خروج الدعم السريع من ولايتي الجزيرة والخرطوم، احراجا لقيادة الدعم السريع، أمام قواعدها التي لن يهدأ لها بال، حتي تري الحرب دائرة في عقر ديار قادة الجيش الجهويين عنصربا والمؤدلجين إخوانيا!

ثالثا – سيناريو التدخل عسكريا:

إقرار العقوبات المرتقبة علي قادة الجيش، لن يكون له تأثير في تبدل مواقفهم للافضل – بما يصب في مصلحة وقف الحرب، حسب التجربة السابقة للعقوبات التي اتخذت في عهد البشير، والتي لم يتأذى منها سوي الشعب السوداني، إن لم مستصحبة بتدخل عسكري حاسم – وهذا هو الخيار الأقرب! وإلا فانهم سيتمادون في إستخدام الأسلحة المميتة، وقد حدث هذا فعليا في الهجوم الأخير علي منطقة الدبيبات اول امس! وعليه؛

رابعا – سيناريو سباق التسلح:

إن مجرد إصدار عقوبات بحق قادة الجيش، دونما تهديد باستخدام القوة ضدهم، هو ما يدعهم للتمادي في استخدام الأسلحة الكيماوية، في مقابل، أن هكذا تمادي، هو ما يفتح الباب للطرف الآخر ليلجأ – بالمثل أيضا، لاستخدام ذات الأسلحة المحظورة دوليا، دفاعا عن نفسه! وهو السيناريو الذي حذر منه بالأمس القيادي مالك عقار – بقوله؛ بدون مصالحات سريعة بين كل المكونات بما فيها الدعم السريع، فلن يكون لدينا سودان في الشهور القادمة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى